الجمعة، 13 مايو 2011

آداب السلوك في رسائل الفيسبوك

 

 

أ.د. محمود نديم نحاس
كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز
nahasm@yahoo.com
 

 

آداب السلوك في رسائل الفيسبوك

 


ذكرت في مقال سابق أن أدب المكاتبات هو أحد فنون الإنشاء في الأدب العربي. وقد عرَّفها صاحب كتاب «جواهر الأدب في أدبيات وإنشاء لغة العرب» بأنها مخاطبة الغائب بلسان القلم. وأفرد لكل نوع منها فصلاً خاصاً نقل فيه أحلى ما وقع عليه اختياره، وأغلى ما انتظمت فيه عقود البلاغة، وأشهى ما أينعت به الأقلام، فكان بحق كما أسماه: جواهر الأدب.
ولما جاء عصر الإنترنت وحل البريد الإلكتروني محل كثير من المراسلات التقليدية، ظهرت طرق جديدة للمراسلات تعتمد على الإيجاز والاختصار. وقد كتبتُ عن أصولها مقالاً بعنوان: القواعد الذهبية في الرسائل الإلكترونية.
ثم جاءت المواقع الاجتماعية كالفيسبوك والتويتر فأضافت أموراً جديدة على أدب المراسلات الإلكترونية. لكن أسلوب الكتابة المختصر لا يعني أبداً الخروج عن أصول الأدب والذوق الرفيع في مخاطبة الناس. فإذا كان القلم بليغ التعبير عن مكنون النفس فإن لوحة المفاتيح لا تقل عنه بلاغة، فالقلم يعبّر عن فكر من يحمله، ولوحة المفاتيح تعبّر عن فكر من يضغط عليها.
النشر الالكتروني يجتاز الموانع الرقابية السائدة في النشر الورقي، لكنه لا ينبغي أن يخرج عن عالم الأدب والأخلاق.
ولئن ساعدت الإنترنت على نشر ثقافة النخبة، فإنها ساعدت أكثر في نشر الثقافة الشعبية، حيث الانتشار الأخطبوطي بين أناس من مختلف الأجناس والأطياف والثقافات. فهل ستكون هذه الثقافة الشعبية طاردة للأدب التقليدي مع الزيادة المطردة لعدد المستخدمين للمواقع الاجتماعية؟ إذ يقال إن عدد مستخدمي الفيسبوك يفوق (500) مليون إنسان.
إنه مهما يكن من أمر حول انتشار الثقافة الشعبية، التي قد لا تراعي كثيراً من القواعد النحوية أو الصور البلاغية في البديع والبيان، لكن تبقى قواعد الأدب والسلوك هي التي تحكم حياتنا، وإلا فعلى الدنيا السلام.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال هو أن سيدة فاضلة أطلعتني على تعليق كتبته على حائط في الفيسبوك أشارت فيه إلى ابن أختها، الشاب الجامعي، أنه قد جانب الصواب بتبنّيه رأي كاتب روسي حول موضوع معيّن، فما كان منه إلا أن أرسل إليها، وهي التي يزيد عمرها عن ضعف عمره بعشر سنوات، رسالة فيسبوكية توبيخية. فماذا كتب؟
يقول: عند التعليق في المرة القادمة أتمنى أن تحذري من عدة أمور.. احذري من التعميم.. واحذري عند اختيار الكلمات.. واحذري من التعليق قبل قراءة التعليقات السابقة.. وان لم تحذري من كل هذه فاحذري من أي رد قاسٍ قد اضطر إلى كتابته.. وأتمنى عند التعامل معي.. نسيان أني ابن أختك والتعامل معي كأني غريب.. لست مستعداً للبقاء صامتاً لأنكم وصلتم لقمة الهرم ولم تعرفونا قدر المعرفة (كيف نشعر وكيف نفكر).. فاعذريني إن أسأت.
والأسوأ أنه طلب أن تبقى الرسالة سراً! لكن أنّى لرسالة أن تبقى كذلك وقد وصلت لكاتب صحفي؟.
 
 
نشر في جريدة البلاد السعودية بتاريخ 07-05-2011 في هذا الموقع
 

Free counter and web statsالمتواجدون حاليا فقي موقع مجموعة نار الحب البريدية

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق