الثلاثاء، 6 ديسمبر 2011

الجوف - تكريم شهيد

 
| المرسل  و  بريده | :   أ.د. محمود نديم نحاس || nahasm@yahoo.com
 
 
| للتعليق على الرسالة : اضــغــط هـــنـــا
 
 

في الوقت الذي تمتلئ به شاشات القنوات الإخبارية بصور مقززة للتعذيب والقتل ، قتل الأولاد والشباب والكهول والشيوخ ، الرجال والنساء على حد سواء ، قتل كل من أثارهم الربيع العربي فخرجوا إلى الشوارع في تظاهرات سلمية يطالبون بحقوقهم ويقولون للطغاة : ارحلوا فلم نعد نحتمل وجودكم بيننا .. في هذا الوقت نجد صوراً أخرى ذات طابع خاص ومذاق مختلف تقول للناس جميعا بمثل هذا يمكن أن تمتلكوا القلوب.

 

لم أتمالك نفسي فسالت الدموع على وجنتيّ وأنا أرى الأمير نايف ، ولي العهد السعودي ووزير الداخلية ، يعانق عناق وفاء رجلاً باكستانياً ذا لحية بيضاء ، تدفعك لتعرف المزيد عن موقف التقدير هذا ، فتتابع القصة من أولها ، وتتذكر حكاية مضى عليها سنتان بالتمام ، حصلت في جدة في موسم الحج قبل عامين. ومَن مِن أهل جدة لا يتذكر "فرمان علي خان" الشاب الباكستاني ذا الاثنين والثلاثين ربيعاً الذي أنقذ في حادثة سيول جدة أربعة عشر شخصاً قبل أن يجرفه السيل ويمضي إلى ربه شهيداً؟.

 

فما العلاقة بين قصة "فرمان" وهذا الشيخ الذي يعانقه الأمير؟ لن يطول بك الأمر ليأتيك الجواب بأن هذا الشيخ هو والد "فرمان" الذي دُعي لأداء فريضة الحج وليتم تسليمه وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى ، والذي قرر خادم الحرمين الشريفين منحه للشاب الشهيد "فرمان" تقديراً لعمله الإنساني ، فتتذكر قول النابغة الذبياني وهو يقول :

فإنكَ شمسٌ ، والملوكُ كواكبٌ .. إذا طلعتْ لم يبدُ منهنّ كوكبُ

 

إنه موقف من مواقف النبل، يدل على الشهامة العربية الأصيلة التي من سماتها الوفاء، ورد الجميل، والشعور بالقيام بالواجب تجاه من قدّم خدمة للوطن، فكيف بمن قدّم روحه فداء لأبناء الوطن؟ سواء أكان من أبناء الوطن أو من وراء الحدود.

 

أليس بمثل هذه المواقف يسود الملوك؟، فلنبعث إلى أصحاب القلوب القاسية الذين ظنوا أنهم يستطيعون أن يجلسوا فوق رقاب الناس بالبسطار ، بأن يتعلموا كيف يُبنى مجد الأوطان ، ولنبلغهم قول الشاعر :

تعلموا كيف تبني مجدَها الأممُ .. وكيف تمضي إلى غاياتها الهممُ

 

فلا عجب أن نرى تكريم رجل بعد رحيله بتكريم والده الشيخ الكبير ، فيؤتى به من وراء الحدود ليحتفي به ولي العهد في استقبال مهيب تقديراً لفعله الإنساني ، فالفعل الإنساني لا جنسية له ولا لون ولا عِرق. وعندما أنقذ "فرمان" الناس من الغرق لم يكن يسأل عن جنسياتهم ، ولم يفعل ذلك ابتغاء تكريم من أحد ، ولكن الوفاء يقتضي تقدير الفعل الإنساني بتكريم يليق به دون النظر إلى جنسيته أو لونه أو عِرقه.

 

ورغم قيمة الوسام الذي تسلمه الشيخ الكبير نيابة عن ولده الشهيد إلا أن العناق الحار كان وساماً ثانياً ستذكره الأجيال ، من كل البلدان ، لدلالته على اللمسات الإنسانية ورد الجميل بأحسن منه. فلقد كان بالإمكان إرسال الوسام إليه في بلده ، لكن تقليده إياه من يد المسؤول الثاني في المملكة دليل على مجازاة الإحسان بالإحسان. ولم يقتصر الموقف على تسليم الوسام، بل كان هناك حديث مع والد الشهيد في مواساة صادقة واستقبال مودة وعناق تعاطف وتقدير.

 

وإضافة إلى هذا التكريم فقد تم تسمية أحد شوارع جدة باسم "فرمان علي خان"، كما تم بناء مسجد في قريته يحمل اسمه. ولئن كانت بناته الثلاث سيذكرنه من خلال اسم المسجد في القرية فقد يأتي اليوم الذي يزرن فيه جدة ويطيب لهن أن يلتقطن الصور بجانب لوحة اسم الشارع التي عليها اسم والدهن الشهيد الذي تم منحه وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وسيحكين قصته وقصة تكريمه وعناق الأمير لوالده للأجيال.

 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق